Abir Kopty's Blog مدوّنة عبير قبطي

You will never be free until you respect the freedom of others

إستخبارات بالوكالة – مندسون إسرائيليون بين نشطاء إسرائيليين

2 Comments

أفضت آخر التطورات في حملة اليمين الإسرائيلي لملاحقة النشطاء الإسرائيليين المناهضين للاحتلال، إلى اعتقال ناشطين إسرائيليين في حركة “تعايش” وناشط فلسطيني يعمل في منظمة “بتسيلم”.

تترافق هذه الاعتقالات مع هجمة شرسة من قبل منظمات اليمين على المنظمات الإسرائيلية التي تحسب إسرائيليا على “التيار التقدمي”، مدعومة من الحكومة والإعلام، في محاولة لاخماد أي صوت مناوئ لسياسات الحكومة.

وفعلا، اللافت في التطورات الأخيرة، بأن ملاحقة نشطاء ما بعد بعد الهامش، “الراديكاليون” المناهضون للصهيونية، والداعمون لحملات المقاطعة ولحق العودة الخ، لم تعد كافية لليمين الحاكم، فتوسعت لتشمل منظمات حقوقية تعمل في إطار الإجماع الصهيوني، مثل منظمة ״بتسيلم״، ״جمعية حقوق المواطن” ومنظمة “نكسرالصمت-شوفريم شتيكا” وغيرهم، فمنذ مدة بدأت منظمات يمينية تطالب مثلا بإخراج “شوفريم شتيكا” من القانون، وأصدرت منظمة “ام ترتسو” تقريرا عنونته ب “شتوليم” (مندسين بالعربية)، الحقته بشريط فيديو تحدثت به عن منظمات حقوقية تتلقى الدعم الاجنبي ووصفتهم بالمندسين لتدمير الدولة وطالبت بإخراجهم عن القانون. ومن المثير بأن كل إدعائات اليمين وتقاريره وحملاته يتم تبنيها من قبل غالبية وسائل الإعلام الإسرائيلية وتتحول بسرعة إلى قضية رأي عام، وفي المقابل نبدأ بسماع خطاب “انحدار المجتمع الإسرائيلي إلى الفاشية” في بعض دوائر “اليسار”، على أساس أن استعمار فلسطين، لم يرتقي بعد إلى الفاشية.

وفي الآونة الأخيرة، تكشفت أيضا ظاهرة الجاسوسية على نشطاء ومنظمات إسرائيلية يسارية، إذ لم تعد شؤون المخابرات تقتصر على أجهزة الدولة الرسمية وغير الرسمية، بل أصبحت أيضا مهمة المنظمات اليمينية، والتي تحصل على تمويل لدس جواسيس أو أجهزة تنصّت أو للتعاقد مع خدمات محقق خاص لملاحقة نشطاء اليسار والايقاع بهم، وطبعا معايير “الايقاع” بهم فضفاضة، يشكلها هؤلاء وفق ما يتيسر من مواد “استخباراتية”.  

وكانت صحيفة هآرتس قد كشفت مؤخرا عن قيام مكتب تحقيقات خاص بالتجسس لمدة ثلاث سنوات،على مكتب المحامي الإسرائيلي المعروف “ميخائيل سفارد” والمتخصص بقضايا حقوق الإنسان، ويترافع عن منظمات ونشطاء يسار كما ويرفع قضايا باسم فلسطييين في المحاكم الاسرائيلية. ووفق هآرتس، فإن “منظمة ريجافيم” اليمينية” هي التي تعاقدت مع مكتب التحقيقات وموّلته ماديّا.

وإحدى تداعيات ما تكشّف من قضايا تجسس، اعتقال عزرا ناوي، الناشط الإسرائيلي في جبال جنوب الخليل، والاشتباه به بالتخابر مع عميل اجنبي (يقصدون السلطة الفلسطينية) والتآمر على القتل (يقصدون قتل سماسرة فلسطينيين يبيعون اراضي لليهود). ومن ثم اعتقال ناشط آخر في تعايش وهو جاي بوطافيا. واليوم قام جيش الاحتلال بمداهمة خربة سوسيا في جبال جنوب الخليل والقبض على ناصر نواجعة، باحث ميداني في منظمة بتسيلم.

والمشترك بين ثلاثة المعتقلين، أنهم ظهروا في تقرير برنامج التحقيقات المعروف “عوفدا” والذي يبث في القناة الإسرائيلية الثانية، حيث كشف التقرير كيف تقرب عميل لمنظمة صهيونية تدعى “عَد-كان” (“إلى هنا” بالعربية)، وتعمل على دس جواسيس بين نشطاء اليسار أو في منظمات “يسارية” إسرائيلية، ويتقمص هؤلاء دور “اليساري” إلى أن يحصل على ثقة النشطاء وبالتالي يدخلون دوائرهم ويحضرون اجتماعاتهم ويرافقونهم في أنشطتهم، ويوثقون كل هذا من خلال استخدام الكاميرات الخفية.

هذه المنظمة استطاعت أن تدس متطوعا لديها في مجموعة “تعايش”، والتي تصنف على “الصفر فاصلة صفر واحد بالمئة”- اليسار الإسرائيلي المناهض للصهيونية، وهذه المجموعة فعّالة جدا في جبال جنوب الخليل.

تقمص هذا المندس دور “اليساري”، وإنضم لمجموعة تعايش، ثم رويدا رويدا حاز على ثقة أحد أهم النشطاء فيها وهو عزرا ناوي- الناشط المركزي في جبال جنوب الخليل، وتقريبا مقيم فيها حيث يعمل يوميا مع سكان المنطقة، وتربطه علاقة قوية بهم. وأصبح  ناوي يصطحبه الى كل مكان ويخبره بكل شيء. وهو-أي المندس-مزودا دائما بالكاميرا الخفية والتي ترصد كل تحركات عزرا بالصوت والصورة.

في تقرير “عوفدا” كشف المندس عن قيام ناوي (بمساعدة ناصر نواجعة) بتسليم أسماء سماسرة أراضي فلسطينيين (يبيعون الاراضي لليهود) للسلطة الفلسطينية، وعندما سأل المندس عزرا ناوي عن مصير هؤلاء السماسرة، اجابه ناوي بأن السلطة تقوم بتعذيبهم ومن ثم قتلهم، فتسائل التقرير “كيف يكون عزرا ناشطا لحقوق الانسان بينما يسلم فلسطينييون للموت.”

وكما ذكرنا، تم مؤخرا القبض على عزرا ناوي وتمديد حبسه على ذمة التحقيق، ووجهّت إليه شبهة التخابر مع جهة اجنبية، والتآمر على القتل. ومن ثم على جاي بوطافيا، وأخيرا على الفلسطيني ناصر نواجعة، وفي الحقيقة يلتبس البعض في الاعتقاد بأن اعتقال نواجعة تم على خلفية عمله في بتسيلم، لكن من الواضح أن اعتقاله تم على خلفية ما بثه التقرير وكأن نواجعة هو من ساعد ناوي في الاجتماع بأجهزة الأمن الفلسطيني.

ومن المثير للسخرية هنا، أن يتهم الإسرائيلي بالتخابر مع جهة أجنبية، وهي نفس الجهة التي ينسق معها الاحتلال أمنيا. أو أن ينزعج الاحتلال من قيام ناوي بتسليم “فلسطينيون إلى موتهم”، وهو الذي يقتل الفلسطيني، ليل نهار.

لكن، لنعود إلى الموضوع الأساس، نحن هنا أمام قضية، قام خلالها مواطنون عاديون بالتجسس وجمع مواد استخباراتية عن مواطنين آخرين، وقامت أجهزة الدولة الأمنية والقضائية باستخدام هذه المواد كأدلة ضدهم. ولا نعرف إذا كانت بحوزة “دائرة الاستخبارات المدنية” هذه المزيد من القصص.

وتطرح هنا العديد من الأسئلة حول علاقة هذه الاعتقالات بحملة اليمين على المنظمات الحقوقية، أو توقيتها، أو الغاية منها وغيرها.

نبدأ القول بأنه من الواضح أن الدولة تستسهل ملاحقة نشطاء اليسار “الراديكالي”، حيث ترى بهم لقمة مستساغة، إذ أن المجتمع المدني الإسرائيلي، لن يقف معهم، لأنه لا يريد أن يرتبط إسمه بمواقفهم، وخاصة في ظل الهجمة التي يواجهها هو أيضا، وبالتالي يمكن للدولة أن تستفرد تماما بهم، ومن ناحية أخرى أن تستعملهم لتوصل رسالة للدوائر الأوسع من منتقدي الدولة.

ما الجديد لنا كفلسطينيين؟ يبدو لأول وهلة أن لا جديد، فنحن لسنا طرفا في هذه الحرب، وهي في غالبها صراع على شكل دولة اليهود. لكن هناك أبعاد يجب أخذها بعين الاعتبار:

أولا، تطور عمل “الجاسوسية”، مدنيا بالاضافة الى مؤسساتيا، واتباع أسلوب “مطاردة الساحرات” وهذا امر يجب ان نتنبه له، وخصوصا في القرى الفلسطينية التي يزورها وينشط بها نشطاء أفراد إسرائيليون. ومن غير المستبعد أن يتطور بنك أهداف هذه المنظمات للايقاع بنشطاء فلسطينيون، لديهم مصداقية دولية في قضايا المقاطعة مثلا، بهدف نزع الشرعية عنهم. لا أقصد من هذا أن اعزز “الهوس” من المخابرات، ولكن، كما دائما، الحذر واجب وواجب وواجب.

ثانيا، يبدو أن حملات المقاطعة أصبحت موجعة إلى درجة أن المنظمات اليمينية -بالوكالة عن الحكومة- بدأت معركة داخلية شرسة، لأنها ترى بأن كل من يتحدث عن الاحتلال وممارساته يساهم في هذه الحملة، وبالتالي يجب تطهير أي صوت يسبب الضرر للدولة. والبدء باليسار المهمش أصلا والذي لا تأثير له، هو سهل، لكنه استراتيجي.

ثالثا، تحاول الدولة من خلال هذه الخطوات، بناء حاجز الخوف لدى “اليسار” بحيث يؤدي ذلك إلى ممارسة الرقابة الذاتية في تقاريرهم وبياناتهم وخطابهم، وكذلك بناء حاجز الخوف لدى الفلسطينيين في الداخل، وملاحقة “اليسار” الإسرائيلي يعني سد الحلق الذي يمكنه أن يدعم (على الأقل في القضايا المدنية، ومن منطلقات صهيونية) نضال الفلسطينيين في الداخل، وبالتالي إضعاف المجتمع المدني الفلسطيني أكثر والاستفراد به أكثر.

بالتالي، الصراع في المجتمع المدني الإسرائيلي، هو شأننا نحن أيضا، وأنه يستهدفنا بالضرورة. من الواضح أن شبكة المجتمع المدني الإسرائيلي (والتي قد يراها البعض على أنها شبكة أمان للمجتمع المدني الفلسطيني) هي شبكة هشة جدا، وستصبح أكثر هشاشة كلما هاجمها الإجماع وحاولت هي إرضاءه، وقد رأينا كيف خرج ممثلو “شوفريم شتيكا” عن طورهم لإقناع الرأي العام بأنهم صهاينة صالحون.

للخلاصة، أعتقد أننا أمام تصعيد استراتيجي من الدولة وأذرعها المدنية، وإذا أدركنا أنه يستهدفنا بالضرورة، يجب أن نتعاطى معه بجدية أكبر.

من تقرير عوفدا

من تقرير عوفدا

Advertisement

Author: abirkopty

Writer, blogger and journalist.

2 thoughts on “إستخبارات بالوكالة – مندسون إسرائيليون بين نشطاء إسرائيليين

  1. Reblogged this on Observations of a tired sOul..

    Like

  2. مقال تعبوي بامتياز

    Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s