Abir Kopty's Blog مدوّنة عبير قبطي

You will never be free until you respect the freedom of others

المقاومة الشعبية نجاحات وإخفاقات: باب الشمس نموذجاً

4 Comments

نشر هذا المقال اولا في مجلة الدراسات الفلسطينية، مجلة صيف ٢٠١٣

تتحدث هذه المقالة عن تجربة إنشاء قرية باب الشمس في المنطقة E، وفق التصنيف الإسرائيلي، والتي سطا عليها الاحتلال في الضفة الغربية لمصلحة مشروع استيطاني يفصل القدس نهائياً عن الضفة الغربية، ويقسم الضفة إلى جزأين.

وتتناول المقالة أوضاع إنشاء القرية التي خطط لها مجموعة من الشابات والشبان، في سياق البحث عن أساليب مبتكرة للنضال ضد الاحتلال وغول الاستيطان. كما تتحدث عن العقبات التي واجهتها التجربة، وعن دلالاتها واحتمالات المستقبل.

إن تاريخ المقاومة الفلسطينية غني وحافل، فقد جرّب الشعب الفلسطيني كافة أشكال النضال، من الحرب على الأرض، إلى المقاومة المدنية والعصيان، إلى الكفاح المسلح الفدائي، إلى انتفاضة أولى وثانية اختلفتا في التركيبة والتوجهات. كما أنه في فترات معينة طغت المقاومة المسلحة على المقاومة المدنية كما حدث خلال الفترة 1965 ـ 1987، بينما طغت المقاومة الشعبية على المسلحة بين سنتَي 1987 و1993.

ووُلد كل شكل من هذه الأشكال في سياق تاريخي وجغرافي وسياسي معين، والانتقال من شكل إلى شكل، كان نتيجة عوامل داخلية ذاتية، وأيضاً خارجية ـ إقليمية.

وجاءت المقاومة الشعبية في شكلها الحالي بعد انتفاضة ثانية سيئة التنظيم، كثيرة التضحيات، عديمة الإنجازات، وفي ظل التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والاحتلال الاسرائيلي، والذي يمنع ويحبط أي عمل مسلح، وأيضاً في ظل غياب رؤيا واستراتيجيا مقاوِمة موحدتين للشعب الفلسطيني.

ويذهب الجزء الاكبر من ميزانية التنسيقية إلى تمويل الدعم القانوني ودفع أجور المحامين والكفالات للمعتقلين في المقاومة الشعبية، إذ يصل هذا المبلغ الى مئات آلاف الشواقل سنوياً. وكانت التنسيقية تتلقى تمويلاً شهرياً من السلطة الفلسطينية لتغطية هذه المصاريف، لكن السلطة توقفت عن ذلك قبل نحو عام.

الولادة من رحم التجارب

ولدت فكرة “باب الشمس” في اللجان المحلية للمقاومة الشعبية، وتحديداً في اللجنة التنسيقية للمقاومة الشعبية، وهي مؤسسة تقدم الدعم والإسناد إلى ناشطي المقاومة الشعبية، سواء في القرى التي تنظّم مسيرات شعبية أسبوعية منذ عدة أعوام مثل بلعين ونعلين والنبي صالح والمعصرة وكفر قدّوم وغيرها، أو خارجها. كذلك تبادر وتنظم اللجنة التنسيقية أنشطة شعبية في مختلف المناطق، وتقدم الدعم القانوني والإعلامي والمرافعة والتوثيق والتشبيك والتنسيق بين اللجان المتعددة والمتمثلة، في أغلبيتها، في اللجنة.

صورة رقم (1): نشاط داخل قرية باب الشمس

ولم تأت فكرة إقامة باب الشمس من فراغ. فالمقاومة الشعبية ليست وليدة اليوم ولا حتى الأمس، ذلك بأن الشعب الفلسطيني هو صاحب أطول إضراب في التاريخ في سنة 1936، والانتفاضة الأولى تُعدّ أكثر النماذج إلهاماً للمقاومة الشعبية. وحتى في الانتفاضة الثانية كان ثمة مقدار من المقاومة الشعبية على الرغم من جميع هفواتها وأخطائها وقلة تنظيمها مقارنة بالانتفاضة الأولى، ولم تنته المقاومة بانتهاء الانتفاضة، إذ بدأ نموذج المسيرات الشعبية في القرى من بُدرُس غربي رام الله في سنة 2004، وصولاً إلى قرى أُخرى. وخلال ثمانية أعوام أبدع الفلسطينيون أسلوباً جديداً من المقاومة، فقد بدأت القرى تخرج في مسيرات أسبوعية كل يوم جمعة لمقاومة الجدار والاستيطان، كما حدث في بلعين، وأحياناً يومية كما حدث في بُدرُس. وتحققت من خلال هذا الحراك إنجازات محدودة لم تُنه الاحتلال، إلاّ إنها ربما منعت مصادرة بعض الأراضي، وقد توقف بعض تلك التحركات، بينما استمر البعض الآخر مؤكداً أن المعركة ضد الاحتلال لم تنته بعد.

وفي الوقت نفسه، لم تنحصر المقاومة الشعبية في قرى الضفة الغربية. ففي غزة أيضاً قام ناشطون بتنظيم تظاهرات شعبية في محاولة للوصول إلى حاجز إيرز قرب بيت حانون، وكذلك في مناطق أُخرى على طول ما تسميه إسرائيل “المنطقة العازلة” الممنوع على الفلسطينيين الاقتراب منها. وقد استمرت هذه التظاهرات على فترات متقطعة بين سنتَي 2008 و2011، قبل أن تمارس “حماس” ضغوطاً لوقفها. وفي الضفة الغربية، وعلى الرغم من حال الإحباط والتعب التي تسود منذ انتهاء الانتفاضة الثانية، وهو واقع تعزز بعد الانقسام، فإن هناك مقاومة شعبية لا تزال تخرج من المخيمات ومن مدن الخليل وجنين ونابلس، وتصل إلى الحواجز العسكرية كي تواجه الاحتلال. وفي الآونة الأخيرة تحديداً شهدت الضفة هبّات متقطعة، إمّا احتجاجاً على استشهاد أسير، وإمّا نصرة لإضراب الأسرى، وإمّا للاحتجاج على العدوان على غزة، وفي كل مرة كانت تكثر التكهنات عن “انتفاضة فلسطينية ثالثة”، لكنها لم تحدث.

ويجدر القول هنا، إن هذه المقاومة أيضاً معزولة عن أي امتداد فلسطيني في جميع أماكن وجود الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في الأراضي المحتلة منذ سنة 1948. فقد نجحت سياسة العزل الإسرائيلية بين مختلف الأجزاء من فلسطين، والتي عززها اتفاق أوسلو بشكل كبير، فجعلتنا نحصر مصطلح المقاومة الشعبية في أراضي الـ 67 فقط، بينما يمارس الفلسطينيون الباقون في وطنهم أشكالاً متنوعة من المقاومة، كان أبرزها المشاركة بشكل فاعل في الأسابيع الأولى من الانتفاضة الثانية بما يُعرف بـ “هبّة أكتوبر” التي استشهد فيها 13 شاباً فلسطينياً يحملون بطاقات الهوية الإسرائيلية، وعلى الرغم من تراجع التظاهرات الشعبية والنشاطات الوطنية والاحتجاجية، واقتصارها على “المناسبات الوطنية” في أراضي الـ 48، فإنها ما زالت قائمة، حتى لو لم تكن بالقوة والجماهيرية ذاتهما.

ويمكن القول إن مسيرات العودة في ذكرى النكبة في 15 أيار / مايو 2011، شكلت مثالاً مغايراً لعمل شعبي يشارك فيه، بشكل نادر، جميع أبناء الشعب الفلسطيني، وكانت أرض المعركة فيها، فلسطين كلها من شمالها إلى جنوبها، بل في الشتات في لبنان وسورية والأردن.

وحتى داخل الضفة، حيث تُمارَس المقاومة الشعبية بشكل أسبوعي في عدة قرى، فإن هذا النموذج عجز عن إحياء روح الانتفاضة الأولى، وفشل في استقطاب الشارع الفلسطيني وتوسيع رقعة المقاومة الشعبية، فتحولت المسيرات إلى حدث روتيني ومشهد متكرر من مواجهات بين عشرات الشباب الفلسطينيين بحجارتهم وبين جنود الاحتلال بصنوف الأسلحة وأدوات القمع كافة

إن هذا العجز عن اختراق حالة اللامبالاة العامة التي تسود الشارع الفلسطيني، والذي يعود إلى عدة أسباب، لا يتعلق فقط بعدم وجود استراتيجيات تعبئة وحشد من طرف ناشطي المقاومة الشعبية، بل بما أفرزه اتفاق أوسلو أيضاً الذي:

1 ـ حوّل الشعب الفلسطيني من حركة تحرر وطني إلى مشروع تنمية، فربط المجتمع المدني الفلسطيني الذي كان من أعمدة الانتفاضة الأولى، بالتمويل الأجنبي، وأصبح منشغلاً بالمرافعة الحقوقية والتنمية والتمكين، وافتقد دوره الشعبي في التعبئة والتحريض، هذا فضلاً عن أن السياسة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية، وخصوصاً اتفاقية باريس، حوّلت المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة منذ سنة 1967 إلى مجتمع استهلاكي غير منتج.

2 ـ قسّم الشعب الفلسطيني وعزل فلسطينيي 48 واللاجئين عن القضية، علاوة على حالة الانقسام الجغرافي والسياسي التي تعيشها الضفة وغزة، وعزل القدس عن الضفة، الأمر الذي يشتت النضال ويعزز حالة التشرذم.

3 ـ أعفى الاحتلال من مسؤولياته المباشرة كاحتلال، وحوّله من احتلال مكلف إلى احتلال مريح، فلم يعد مباشراً، ولا سيما في المدن (ما يُعرف بمناطق “أ” وفق اتفاق أوسلو)، بينما أصبحت الحواجز والجدار أموراً روتينية، غير مستفزة.

4 ـ أوجد آلية للتنسيق الأمني مع الاحتلال نجحت في حماية إسرائيل والمستوطنين من أي فعل مقاوم، ولم تنجح في حماية الفلسطيني من إرهاب الاحتلال ومستوطنيه، الأمر الذي أدى إلى ازدياد عنجهية الاحتلال والمستوطنين وانفلاتهم، وتراجع قدرة الفلسطيني على ردعهم

تعود اللامبالاة أيضاً إلى فقدان الثقة بالقيادة الفلسطينية (قيادة أوسلو) وبالأحزاب السياسية. فبعد أن قدّم الشعب الفلسطيني تضحيات كبيرة لأجل قضيته، أصبح يتساءل عن جدوى تضحياته تلك، وخصوصاً في ظل القمع الوحشي الذي تتعرض له المقاومة الشعبية من جانب الاحتلال، كما أن غياب ضغط جدي وفعلي من الحكومات العربية والأجنبية على الاحتلال، يجعل الفلسطيني يشكك في جدوى تضحياته أيضاً

لكن يبقى أن أهم سبب لحالة الإحباط واللامبالاة، غياب مشروع وطني جامع ووحدوي، ويملك رؤيا واستراتيجيات مقاومة. وهذه المهمة من المفترض أن تكون مناطة بالمجلس الوطني الفلسطيني في منظمة التحرير، والذي التأم آخر مرة في سنة 1996 بمندوبين معينين وغير منتخبين في انتخابات حرة مباشرة من طرف أبناء وبنات الشعب الفلسطيني كافة

وثمة عوامل ذاتية أُخرى، منها: خلافات داخلية وصراعات بين لجان المقاومة الشعبية المحلية في مختلف القرى وفي داخل اللجان نفسها، وكذلك النزاعات الفصائلية التي تخترق في العديد من الأحيان صفوف المقاومة الشعبية، وأيضاً غياب رؤيا واضحة واستراتيجيا تراكمية، إذ تجري النشاطات في كل قرية بمعزل عن الأُخرى، وكل نشاط يتم لهدف محدد من دون بناء سقف واحد لهذه النشاطات.

ويرى كثيرون أن السلطة الوطنية الفلسطينية تقوم باستغلال هذه التظاهرات في القرى لخدمة مصالحها وصورتها أمام العالم كسلطة “تحافظ على الاستقرار”. وما يعزز هذه النظرة هو قيام السلطة في العديد من المواقع الحساسة بمنع المتظاهرين من الوصول إلى حواجز عسكرية والتصادم مع الاحتلال، مع أن الحديث يدور عن الشكل نفسه من المقاومة التي تشجعها السلطة في أماكن أُخرى.

لكن ذلك كله لا يبرر أن يقوم البعض بالخلط بين سكان قرى المقاومة الذين يقدّمون التضحيات بنقاء لأنهم يؤمنون بالمقاومة وضرورة إبقاء هذا النموذج وهذه الروح حيّين، وبين مَن يقوم باستخدامهم فيخلط الحابل بالنابل ويتهم المقاومين بـ “خدمة الأجندات”. فهذه الاتهامات أيضاً تؤثر سلباً في “شعبية” المقاومة الشعبية.

هذه الأسباب وغيرها يمكنهما أن يفسرا المشاركة الفلسطينية الضئيلة في المقاومة الشعبية جرّاء حالة الإحباط، لكنهما في الوقت نفسه كانا حافزاً دفع ناشطي المقاومة الشعبية إلى دراسة استراتيجيات جديدة. فقد نظم الناشطون في الأشهر الأخيرة العديد من الأنشطة المباشرة، كإغلاق شوارع وحواجز إسرائيلية مقامة على الأرضي الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، والتظاهر داخل المجمع التجاري “رامي ليفي” في مستعمرة شاعر بنيامين وغيرها لإيصال رسالة مباشرة إلى المستوطنين والاسرائيليين فحواها أن لا حياة عادية لمحتل ومستعمر. ومثّلت هذه النشاطات خروجاً عن نمطية التظاهرات في القرى، ومحاولة لتوسيع دائرة المقاومة الشعبية التي تتم بواسطتها مقارعة الاحتلال في أماكن وأزمنة نختارها نحن ولا يختارها هو.

التخطيط والتحضير

من هذا المنطلق يجب النظر إلى تجربة باب الشمس على أنها ليست “نقطة تحول” بقدر ما هي تطور طبيعي لمسار نضالي فيه كثير من النجاحات والإخفاقات.

لقد بدأ التحضير لباب الشمس في كانون الأول / يناير 2012، ومثّلت الخبرة الكبيرة للجان المقاومة الشعبية بتنظيم أنشطة شعبية، وبالتعامل مع الاحتلال، نقطة قوة كبيرة. لقد جرى طرح الفكرة في البداية ضمن دائرة صغيرة جداً من الناشطين، وبعد التداول بها بدأ التخطيط للحاجات اللوجستية: الحشد، ووضع خطة التنفيذ، مع الحفاظ على السرية وعنصر المفاجأة. ثم تم توسيع الدائرة، وخصوصاً ضم ناشطين من المنطقة التي تقع فيها باب الشمس، والبحث عن الأراضي المحتلة الملائمة والاتصال بأصحابها. وتمت عدة اجتماعات تحضيرية، وأعتقد أننا تداولنا في التسمية فقط في الاجتماع الموسع الأخير أو ما قبل الأخير، وقد طُرحت أسماء كثيرة لم يكن هناك أي إجماع عليها، لكن عندما طُرح اسم “باب الشمس”، تيمناً برواية الياس خوري، وتم الربط بين الرواية والعودة والمقاومة، كان هناك إجماع على هذه التسمية.

وكي نتمكن من حشد مشاركين والتمويه، أعلنّا إقامة “مخيم المقاومة الشعبية الأول” في منطقة الأغوار التي هي بعيدة تماماً عن منطقة باب الشمس، وقمنا من خلال هذا الإعلان بحشد المئات للمشاركة. وكان من المفروض أن ننطلق الخميس 10 كانون الثاني / يناير 2013، لكننا اضطررنا إلى التأجيل يوماً واحداً بسبب حدوث منخفض جوي تسبب بتساقط الثلوج على العديد من المناطق، وبالتالي بخفض عدد المشاركين إلى النصف بسبب إغلاق الشوارع، وتعذّر السفر في العديد من المناطق. لكن لم يكن التأجيل فترة طويلة وارداً قط، لأن ذلك يعني المخاطرة بتسريب الخطة للاحتلال. لهذا قررنا إبقاء المشاركين الذين وصلوا إلينا، على الرغم من الأوضاع الصعبة التي واجهتهم، للمبيت في رام الله والانطلاق الجمعة صباحاً حين كان من المتوقع أن تتوقف الأمطار والثلوج وترتفع درجات الحرارة قليلاً. وقمنا باستغلال ليلة الخميس للتدريب على نصب الخيم، وذلك كي يتم نصب أكثر عدد ممكن في أقل وقت ممكن، وقبل أن يصل الجيش إلينا. وفعلاً، في صباح الجمعة 11 كانون الثاني / يناير 2013، انطلقت مجموعة من خمسين شخصاً قبل باقي المشتركين بساعة واحدة وشرعت في بناء الخيم، بينما انطلقت المجموعات في حافلات من رام الله إلى منطقة باب الشمس، أو ما يسميه الاحتلال منطقة E1، والذي أعلن قبل أشهر نيّته إنشاء 4000 وحدة استيطانية عليها، لربط مستعمرة معاليه أدوميم بمدينة القدس. وتبلغ مساحة تلك المنطقة نحو 13 كيلومتراً مربعاً، وهي أراضٍ تابعة لقرى العَيزرية، وعيسَوية، والطور، وعناتا، وأبو ديس.

صورة رقم (2): شبان باب الشمس ينصبون خيم القرية

في الطريق إلى هناك، وفي نقطة معينة اتُّفق عليها مسبقاً، قام كل منسق حافلة بكشف الخطة الحقيقية للمشاركين، وإتاحة المجال أمامهم لتقرير ما إذا كانوا يريدون المشاركة أم لا، وفي حال عدم رغبتهم في المشاركة، فإن الحافلة ستقوم بإعادتهم إلى رام الله. ويمكن القول إن 99% من الركاب قرروا المشاركة وبحماسة شديدة.

إن اللحظات الأولى من الوصول والمساهمة في بناء الخيم، لا يمكن وصفها. وقد يستهين البعض بهذا، لكن القدرة على مفاجأة الاحتلال كانت أهم أعمدة نجاح الفاعلية. فعلى الرغم من جبروت الاحتلال، وقدراته الأمنية والاستخباراتية، وعلى الرغم من إمكاناتنا البسيطة، نجحنا في أن نكون الطرف الأقوى. ومن هنا بدأ الشعور بنشوة الانتصار.. المتواضع طبعاً.

وربما يمكن اعتبار نجاحنا في البقاء في باب الشمس يومين انتصاراً، لكن الهدف لم يكن الوصول، وإنما البقاء أكثر، وتثبيت حق أصحاب الأراضي في أرضهم، ومنع المخطط الاستيطاني الكبير في المنطقة. وقد فشلنا في هذا، على الأقل حتى الآن.

النتيجة والدلالات

إن نجاح تجربة قرية باب الشمس، على الأقل على المستوى المعنوي، وحصولها على تغطية إعلامية منقطعة النظير، دفع القيادات الفلسطينية إلى الحج إليها، وشهدنا سباقاً محموماً لتجيير النشاط كل لمصلحته، فضلاً عن التفسيرات والتحليلات التي تتوخى ربط النشاط بمسار سياسي معين. فمثلاً قرر صائب عريقات، مسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير، أن الشباب الفلسطيني الذي ذهب إلى باب الشمس، إنما أراد أن “يحمي حل الدولتين”، الأمر الذي أثار استياء العديد منا: فأولاً، إن أحداً لم يطلب من صائب عريقات أن يتحدث باسمنا؛ ثانيا، لأن باب الشمس لا تمثل حلاً سياسياً، وإنما نهج مقاومة، فلا علاقة له بالحلول السياسية، وهذا ما ترفض هذه القيادة أن تراه؛ ثالثاً، لأن باب الشمس جمعت فلسطينيين من كل مكان، ومن مشارب سياسية متعددة، من داعمي فكرة حل الدولتين إلى داعمي فكرة تحرير كامل التراب إلى فكرة الدولة الواحدة. لقد كان بيان إقامة باب الشمس واضحاً لا لبس فيه. لم يكن خطابه خطاب الدولتين أو غير الدولتين، وإنما خطاب حقوق الشعب الفلسطيني ومقاومة الاستعمار.

لم يكن سهلاً التوافق على موقف حاسم بين المنسقين من تلك القيادات التي سعت لتجيير الحدث، لأن بيننا مَن هم منتمون فصائلياً وحزبياً، فضلاً عن أن المواقف كانت متباينة بشأن كيفية التعامل مع هذه القيادات. وهذه قضية ليست مستجدة، بل إنها تواجهنا في العديد من أنشطة المقاومة الشعبية، ذلك بأن بعض الفصائل يحاول أن يهيمن على المقاومة الشعبية، وخصوصاً “فتح” التي تسعى للسيطرة على قرار المقاومة الشعبية وتحركاتها، حرصاً على ألاّ يخرج الوضع عن سيطرة السلطة، وكي يُنسب إليها أي نجاح يمكن أن تحققه المقاومة، فضلاً عن التنافس الفصائلي الطاغي الذي أصبح، برأيي، أهم من المصلحة العامة، وأهم من القضية. أنا لست ضد الفصائل والأحزاب، فقد كان وما زال لها دور نضاليٌ مهمٌ، لكن المشكلة هي عندما تُغَلّب الفصائل مصلحتها الضيقة على مصلحة الوطن

لقد طُرحت هذه الموضوعات وغيرها في العديد من الاجتماعات التحضيرية، وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر بين المشاركين، فإننا اتفقنا على أن تعتمد رسالتنا الإعلامية والسياسية على القاسم المشترك من دون الخوض في الحل السياسي هذا أو ذاك. ورحّبنا منذ اليوم الأول بالجميع، فقد كانت الأجواء إيجابية وحماسية ولم يُرِدْ أحد أن يعكّر صفوها بأي خلاف. وبرز دور كبير للنساء في التنظيم والتحضير وإقامة القرية وتسيير أمورها، وفي إنشاء مركز إعلامي وتشغيله بشكل متواصل

وفسّر البعض باب الشمس بأنها جاءت كي تترجم “إعلان الدولة” دولة “غير عضو”، الحدث الذي جرى في تشرين الثاني / نوفمبر من العام الماضي. وللإشارة، لم يكن هناك إجماع أصلاً على اعتبار الاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة إنجازاً، فالبعض اعتبره كذلك، واعتبر باب الشمس امتداداً له، بينما حمل الآخر رأياً مختلفاً. العلاقة الأكيدة مع “الإنجاز” هي أننا نحاول حماية الأرض من مشروع استيطاني كبير أعلنته إسرائيل مستخدمة هذا “الإنجاز” شمّاعة لاستكمال مشروع وضعت خططه قبل جميع تلك التطورات، وانتظرت اللحظة الملائمة لتنفيذه.

أمّا بالنسبة إلى التمويل، فقد وفّرت “وزارة الحكم المحلي ـ ملف الجدار والاستيطان” الخيم والفرشات والبطانيات، لإقامة مخيم المقاومة الشعبية الأول، ووفّر أحد سكان قرية بلعين المولّد الكهربائي، وقام بعض الفلسطينيين المقتدرين والداعمين للمقاومة الشعبية بتوفير بضعة آلاف من الشواقل لشراء بعض المعدات والحاجات، مثل الحطب والكاز وتمويل المواصلات وغيرها. ولم يحصل أي شخص على شاقل واحد في مقابل وجوده في القرية، ولم تنهمر علينا عشرات آلاف الدولارات كما أشاع البعض، وإنما على العكس، صبر الموجودون مثلاً، على البرد القارص والنقص في البطانيات، كما أنهم اكتفوا بوجبات ضئيلة عبارة عن ساندويتش أو اثنين متواضعين في اليوم

أمّا التوجه إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، والذي حيكت بشأنه أيضاً مغالطات كثيرة، فلم يكن بنيّة الحصول على تصريح وإذن. فإن مَن استأنف ضد قرار الدولة للمحكمة العليا لم يكن سكان باب الشمس، وإنما أصحاب الأراضي الأصليون، وهو ليس “توجهاً”، وإنما هو استئناف على أمر الإجلاء الذي سلّمتنا إياه الإدارة المدنية الإسرائيلية في الساعات الأولى من وصولنا. فأمر الإجلاء يصدر من دولة الاحتلال، وكي يتم وقفه أو عرقلته، يجب الاستئناف إلى المحكمة العليا. وكان محامي أصحاب الأراضي جاهزاً مع الملف في المحكمة، وقام مباشرة بالاستئناف ضد قرار الهدم، وأعطت المحكمة القائدَ العسكري في منطقة “يهودا والسامرة”، وفق التسمية الإسرائيلية، مهلة ستة أيام من تاريخ وصولنا للردّ على هذا الالتماس. ولم يكن الهدف من ذلك الاعتراف بالمحكمة الإسرائيلية، علماً بأنه لا يوجد حتى الآن قرار فلسطيني جماعي بمقاطعة المحاكم الإسرائيلية، وقد رأينا في أمر وقف التنفيذ فرصة للتمكن من تثبيت القرية وحشد مزيد من المشاركين، لكن الاحتلال لم يأبه حتى بقرار محكمته، ولم يكن صعباً عليه أن يجد مسوغاً لخرقه وهو طبعاً المسوغ “الأمني”، فادعى أن هذه القرية تشكل خطراً “أمنياً”، ولهذا يجب إزالتها.

في هذا السياق أعتقد أنه علينا في المرات المقبلة، ألاّ نقبل استلام أي ورقة من الاحتلال، وأن ندرس قضية التعامل مع المحكمة بعمق وبجدية، وطرح سؤال: هل يخدم الأمر هدفنا أم لا؟ فلا ضير أحياناً أن نستعمل أدوات الاحتلال لمقارعة الاحتلال، أو كشف عنصريته.

لقد رأى كثيرون أن هذا النوع من المقاومة هو نوع مهم ومجدٍ ويجب تطويره، بينما رأى البعض الأخر أن هذا النوع “السلمي” ينزع الشرعية عن الكفاح المسلح. إن جميع الشعوب التي تحررت دمجت أشكالا متنوعة من المقاومة. فالمقاومة المسلحة دائماً تكون مهمة لفئة محدودة من الناس لا تتحدث عنها بقدر ما تفعلها، بينما تتيح المقاومة الشعبية لشرائح المجتمع كلها، رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً، المشاركة فيها، وهو نوع من المقاومة لا ينزع الشرعية عن أي شكل مقاوم آخر، وإنما على العكس، يمكن أن يكون مكملاً له

إن شعبنا يقاوم بالبقاء وبالبناء بعد كل مرة يمارس الاحتلال فيها عمليات الهدم، وبزرع أشتال الزيتون أينما يقتلع الاحتلال أو المستوطنون الشجر المعمّر، ويقاوم بالإضراب والأمعاء الخاوية في معتقلات الاحتلال مع / أو تضامناً مع المعتقلين، ويقاوم بالفن وبالثقافة محاولات سلب الثقافة الوطنية والتراث، ويقاوم بالتعليم في مواجهة التجهيل، ويقاوم من خلال المقاطعة ومناهضة التطبيع في مواجهة التبعية الاقتصادية. وهذه كلها أشكال غير مسلحة من المقاومة، ولا أعتقد أن أحداً يمكنه أن يقول إنها جاءت لتنزع الشرعية عن نوع آخر من المقاومة.

أعتقد أن الإخفاقَين المركزيين في باب الشمس كانا: أولاً، لم نكن مستعدين جيداً لمواجهة إجلائنا، إذ لم يكن لدينا خطة مدروسة؛ لهذا، وبرأيي، جاء إجلاؤنا أهدأ وأسهل ممّا يجب، طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد الجنود فاق عددنا بخمسة أضعاف، فكان هناك نحو 500 شرطي من أفراد الوحدة الخاصة “اليسام”، الذين قدموا لإجلاء نحو 120 مقيماً في القرية، وكنا جميعاً منهكين برداً وتعباً؛ ثانياً، أننا لم ننجح في استغلال الـ 48 ساعة التي بقينا فيها في باب الشمس لتنظيم برنامج تعبوي وتثقيفي، مع أنه كان لدينا في البرنامج عروض فنية وورشات عمل، كما كان لدينا خطة لإقامة مكتبة عامة، لكننا لم نبدأ بها منذ اليوم الأول، وبالتالي لم نتمكن من إنجاز تلك النشاطات.

لكن على الرغم من الإخفاقات، فإنه لا يمكن الاستهانة بالتجربة وبأهميتها. إن ما حدث خلال اليومين كان أشبه بحلم جميل، لقد أعادت باب الشمس روح اللحمة والوحدة، وزارتنا وفود من كل مكان، ومشى إلينا المئات على الأقدام كيلومترات بعدما منعهم الجيش الإسرائيلي من الوصول بالمركبات. ونقل إلينا سكان القرى القريبة الطعام مشياً على الأقدام، وأحضر لنا العديدون البطانيات والحاجات الأُخرى، ووصلت إلينا مئات الرسائل الداعمة، وأعلن فنانون فلسطينيون استعدادهم لتقديم عروض في باب الشمس. وصلنا الدعم من كافة أطياف مجتمعنا وفصائله، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن غزة إلى الشتات. منذ الانقسام وربما قبله، لم نشهد حالة لحمة والتفاف كما شهدناها أيام باب الشمس

وما حدث بعد الإجلاء لا يقل أهمية عمّا حدث قبله. فإن عودة أهالي باب الشمس، ونجاح بعضهم في الوصول إلى أراضي القرية، شكّلا تحدياً للاحتلال، وتشديداً على حقنا في العودة إلى قرانا وأراضينا، وصاغا إصراراً على عدم الرضوخ. لقد حدثت العودة بعد يومين من الإجلاء، بتاريخ 13 كانون الثاني / يناير 2013، على شاكلة عرس فلسطيني، إذ قمنا بتزيين سيارة عرس أقلت العروس بفستانها الأبيض، وهي متضامنة إسبانية، والعريس كان فلسطينياً، ونجح المئات من الناشطين في اختراق الحواجز التي وضعها الاحتلال لمنع الوصول إلى باب الشمس، لكن قبل عشرات الأمتار من موقع القرية انتظرتهم قوة عسكرية إسرائيلية منعتهم بالقوة من الوصول إلى القرية. وبينما انشغل الجيش بقمع الزفة ومنع الناشطين من الوصول الى القرية، نجحت مجموعة من 20 من الناشطين في الوصول إلى القرية سيراً عبر الجبال، ورفع العلم الفلسطيني على أرض القرية.

صورة رقم (3): شبان باب الشمس يرتاحون بعد نصب الخيم

لقد ألهمت باب الشمس كثيرين، وبالتالي كسرت حالة الإحباط، إذ أقيمت بعد باب الشمس خمس قرى فلسطينية، مثل باب الكرامة على أراضي قرية بيت إكْسا، شمالي غربي القدس، المهددة بالمصادرة من طرف الاحتلال، وقد أُقيمت القرية بمبادرة مستقلة من أهالي القرية وشبانها، فهم، وعلى الرغم من انتمائهم العام إلى حركة “فتح”، فإنهم امتلكوا الوعي الكافي لتحييد أي دور فصائلي، والحفاظ على استقلالية النشاط.

وأقيمت هذه القرى بمبادرة مستقلة من الأهالي الذين ليس لهم علاقة باللجنة التنسيقية ومن دون التنسيق معها، كما هي الحال مع قرية “باب الكرامة”، وقرية “كنعان” جنوبي الخليل، وقرية “الصمود والتحدي” في جنين.

بصورة عامة وفي جميع الحالات، فقد أربك هذا النوع من النشاط الجيش الإسرائيلي، وفي كل مرة كانت تقام قرية كان يتم قمعها وهدمها وإزالتها خلال ساعات أو أيام.

لقد نجحت باب الشمس في احتلال موقع رئيسي في عناوين أهم الصحف العالمية والقنوات الإخبارية، وكنا فيها نحن صانعي الخبر، وخرجنا من دائرة ردة الفعل أو الضحية العاجزة، إلى دائرة الفعل، بينما خرج الإسرائيليون إلى دائرة ردة الفعل. لقد ساهمت التغطية الواسعة التي حصلت عليها باب الشمس في فضح سياسة الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل.

أمّا تجربة باب الشمس الثانية، والتي أقام من خلالها ناشطون في 20 آذار / مارس الماضي، حي “أحفاد يونس” على أراضي قرية العيزرية في تلة مقابلة للتلة التي أقيمت عليها قرية باب الشمس الأصلية، وعلى الأراضي نفسها المهددة بالمصادرة، والتي تقع ضمن المنطقة ذاتها التي يسميها الاحتلال E1، فقد اختلفت من حيث الحجم والأثر

وبدأ التحضير لهذه العودة بعد أيام قليلة من الإخلاء الأول، لكن حضور الجيش إلى المنطقة مصادفة جعل الإسرائيليين يتنبهون إلى التحضيرات في المنطقة ويتواجدون بوتيرة أكبر، الأمر الذي أدى إلى تأجيل التنفيذ.

وجاءت تجربة حي “أحفاد يونس” بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لفلسطين، وتمت دعوة ناشطين إلى المشاركة في مهرجان تمويهي في جامعة القدس في أبو ديس، أُعلن أنه لـ “مناهضة زيارة أوباما”، فقد تجمع الناشطون والطلاب ومشوا في مسيرة في شوارع أبو ديس والعيزرية كي يصلوا إلى الأرض المقرر إنشاء “أحفاد يونس” عليها، حيث انتظرتهم الخيم ليقيموها، وكانت اثنتان منها كبيرتين، واثنتا عشرة أُخرى صغيرة تكفي كل واحدة لشخص أو اثنين، وهي قليلة التكلفة، وذلك لتخفيف الأعباء المادية في حال قام الجيش بالإجلاء الفوري. لقد بقي سكان هذا الحي 4 أيام وليالٍ قبل أن يتم إجلاؤهم بالطريقة نفسها التي تم إخلاء باب الشمس الأولى بها. ولم ينجح الحي في إثارة الاهتمام والحشد الشعبي كما حدث في باب الشمس الأولى، وذلك لعدة أسباب، منها

أولاً: لقد جاءت “باب الشمس 2” بعد عدد من القرى التي أُقيمت وتم إخلاؤها، الأمر الذي أدى إلى استهلاك الفكرة واستنفادها من دون نتائج، وبالتالي جعل الناس أقل حماسة لها.

ثانياً: لقد قوّم كثيرون تجربة باب الشمس الأولى إيجاباً أو سلباً، وهذا جيد، لكن ثمة مَن هاجم الفكرة من باب “نظرية المؤامرة”، وحمّلها أكثر من طاقتها، فرأى أن هدف أصحاب الفكرةهو إرباك الوعي ونزع الشرعية عن الكفاح المسلح، أو أنها جاءت بأوامر وتمويل من السلطة، أو كي تحمي حل الدولتين وغيره.

ثالثاً: ربما كان توقيت هذه التجربة غير صائب، إذ انشغل الجميع، بمَن فيهم الإعلام، بزيارة أوباما، فلم تنل “أحفاد يونس” التغطية الملائمة.

رابعاً: محاولة السلطة وقياداتها الهيمنة منذ باب الشمس الأولى ثم الثانية وربطهما بهم، الأمر الذي أدى إلى نفور البعض منها.

خامساً: حضور قيادات من الفصائل، وتحديداً “فتح” و”المبادرة”، في “أحفاد يونس” منذ البداية، ومشاركتهم في رفع سارية العلم، والترويج للنشاط على أنه إنجاز “فتحاوي” آخر، وخصوصاً من طرف كوادر “فتح” وقياداتها، وارتفاع الهتافات الفتحاوية حينها، الأمر الذي جعل المشهد مكرراً لنشاطات فئوية بحتة، وحال بالتالي دون مشاركة العديدين.

لقد أنشأت السلطة الوطنية مجلساً قروياً رسمياً لباب الشمس، وهذا برأيي أسوأ ما فعلت، فهي مرة أُخرى تتعامل بعقلية السيطرة والهيمنة وتوزيع المناصب كي تحافظ على مصالحها، إذ إن المجلس القروي يضم، في أغلبيته، ناشطين فتحاويين مركزيين، وبينهم مَن لم يوجدوا أصلاً في باب الشمس، ولم يكن لهم أي علاقة بها.

أمّا من ناحية الإيجابيات، فأولاً، لم يقم أصحاب الأرض في “أحفاد يونس”، واعتماداً على التجربة الماضية، بالاستئناف إلى المحكمة الإسرائيلية، وثانياً، عدم هدر كثير من الأموال والمعدات، فالجيش عندما دخل لم يجد إلاّ خيمتين كبيرتين، والباقي كان خياماً صغيرة وبسيطة، وبعض الفرشات القديمة، وبالتالي لم يكن هناك خسائر مادية كبيرة.

خلاصة

ثمة تحديات كبيرة أمام هذا الحراك، منها:

أولاً: عدم السماح باستهلاك الفكرة وتحويلها إلى روتين لا يحقق إنجازات، فالهدف الأساسي ليس إقامة القرية، وإنما حماية الأرض وتثبيت حقنا فيها، وإذا لم ننجح فستصبح الفكرة فقاعة إعلامية في كل مرة تقام فيها قرية مشابهة

ثانياً: لقد أصبحت باب الشمس رمزاً، لكن علينا أن نجعلها حقيقة، الأمر الذي يعني العودة إليها والنجاح في البقاء فيها، وهذا يشكل تحدياً كبيراً، إذا أخذنا بعين الاعتبار الوجود العسكري الدائم في منطقتها.

ثالثاً: على هذه الفكرة أن تنتشر في أنحاء فلسطين التاريخية، فحقنا على أرضنا ضد الاستعمار لا تفصله حدود الـ 67 ولا مناطق الـ 48، فواجب الفلسطيني الباقي في وطنه منذ النكبة أن يحمي أرضه، وحقه أن يعود إلى قريته المُهجّرة، وحق اللاجئين في المنفى أن يعودوا إلى بيوتهم وقراهم. إذاً، الفكرة يجب أن تتطور نحو العودة الفعلية إلى كل مكان هُجّرنا منه.

رابعاً: الإبداع المتواصل، والحفاظ في كل مرة على عنصر المفاجأة لإرباك الاحتلال، الأمر الذي يطرح تحدياً آخر هو كيفية التوفيق بين بناء حركة شعبية كبيرة، والحفاظ على السرية.

خامساً: ألاّ تكون الفاعليات غير مترابطة وعشوائية، وإنما جزءاً من استراتيجيا ورؤيا موحدة وجماعية للمقاومة والتحرير، وتطرحان تصوراً لدور كل جزء من أجزاء الشعب الفلسطيني فيها، وكذلك دور المجتمع الدولي، وهذا طبعاً غير منوط بلجان المقاومة الشعبية، وإنما بمنظمة التحرير الفلسطينية، شرط أن تكون منتخبة ديمقراطياً وبشكل مباشر من أبناء الشعب الفلسطيني وبناته، وليس كما هي الآن، عبارة عن محاصصة “كوتات”. وإلى حين حدوث ذلك، فإن المقاومة على الأرض يجب ألاّ تتوقف.

سادساً: أن تحافظ الحركة على استقلاليتها، على الرغم من أن الأمر صعب جداً في ظل محاولة بعض الفصائل الهيمنة على العمل الشعبي وتملّكه. وإذا لم تفهم هذه الفصائل أنها بهذا تضر العمل الشعبي ولا تفيده، فإن على ناشطي الفصائل في الحراك الشعبي أن يتخذوا موقفاً حاسماً، وأن يتمردوا على قياداتهم، لأن المطلوب هو تغليب المصلحة العليا على المصالح الضيقة.

اخيراً، لا يمكن تحميل تجربة باب الشمس أكثر من طاقتها، فهي لم تكن معركة تحرير فلسطين، وإنما هي تجربة ملهمة حصلت على التفاف شعبي منقطع النظير، وشارك فيها فلسطينيون من كافة المشارب السياسية، وهم مختلفون في الرأي بشأن العديد من القضايا، لكنهم متفقون على لب القضية: الحرية والعودة وتقرير المصير. لقد مثلت باب الشمس صورة واقعية للمجتمع الفلسطيني بخلافاته وتناقضاته وميزاته، وشكلت إلهاماً محلياً ودولياً، وأعادت الاعتبار إلى المقاومة الشعبية كواحدة من أشكال المقاومة ذات الجدوى، والأهم أنها أعادت الأمل. وبالتالي، علينا أن نستفيد من هذه التجربة لتطويرها من خلال النقد البنّاء والإيجابي.

Advertisement

Author: abirkopty

Writer, blogger and journalist.

4 thoughts on “المقاومة الشعبية نجاحات وإخفاقات: باب الشمس نموذجاً

  1. عجبني المقال كتير وهو عبارة عن دراسة طبعتو وعممتو على بعض الاصدقاء انتي
    كتير محترمة وجدية بعتز فيكي كتير عبير

    Like

  2. هذا الكلام كتير مهم انا عممته على الاصدقاء كتير رائع تقييم التجرية ونقدها وهذا دليل الجدية في العمل ياعبير

    Like

  3. كثير مهم تقييم التجربة أكيد ولكن الحقيقة سؤالي إلك هو ألا يضركم أن يكون كشف كل هذه التفاصيل معلن بوضوح؟

    Like

    • شو قصدك جمانة؟ اذا قصدك عن تفاصيل تنفيذ النشاط فالاشياء اللي ذكرتها تقريبا كلها معروفة بالاواسط اللي شاركت يعني ما فيها تجديد، وفي اشياء كتيرة ما ذكرتها في المقال لهذا السبب

      Like

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s