**كتبت هذه المدونة بعد زيارتي الاخيرة لمصر والتي عدت منها قبل اسبوع**
أن تزور مصر خلال الحملات الانتخابية لرئيس الجمهوية الاول بعد الثورة وخلع مبارك، يعني أن تتحول الزيارة، مرة أخرى، من “ترفيهية” الى رحلة غوص في سياسة الثورة وثورة السياسة. كلٌ يفتي وكلٌ يحلل، وعندما تصغين لما يقوله سائق سيارة الأجرة أو حارس العمارة أو النادل في المقهى، تكادين تقتنعين بكلامهم مئة بالمئة، حتى لو قالوا اشياء متناقضة. يكفي ان تتحدثي مع ثلاثة اشخاص خلال النهار، لتشعري بأنك لا تعرفين شيئا، ولا يمكنك أن تتوقعي شيئا. في مصر خلال الانتخابات كل شيء ممكن بقدر ما هو غير ممكن.
كل يوم وبناءً على من تصادف واين تجلس ومع من تتحدث، تتغير توقعاتك وآمالك وفهمك. والقضية تبدأ من مبدأ اجراء الانتخابات اصلا. المقاطعون، وهم عدد صغير من نشطاء ثورة من العيار الثقيل، يتحدثون بمبدئية قصوى وقناعة تامة، يرون بأن لا انتخابات ممكنة تحت حكم العسكر، لا يثقون به ومتأكدون أن المجلس العسكري سيوصل الى الرئاسة من يريد. “كيف”؟ سألت، “بالتزوير” قالوا! “هل ما زال التزوير سهلا الى هذا الحد؟ هناك مراقبون وكل شيء اليوم يُرصد ويُفضح”. قالوا “التزوير لا يحدث اثناء التصويت، بل يحدث بعد اغلاق الصناديق”.
المقاطعون، كانوا قلة اتخذت موقفا سلبيا، حيث لم يقوموا بحملة فعالة لحشد مؤيدين لموقفهم. مجموعات شبابية ممن شاركت في الثورة، ومنها من أصبح له وزن بعد الثورة، مثل حركة “6 ابريل”، وصفحة “كلنا خالد سعيد”، وحركة “عدالة وحرية” الشبابية وغيرها. كلها مجموعات شاركت في الانتخابات ودعت للتصويت لمرشح هذا او ذاك.
العديد منهم قرر دعم عبد المنعم ابو الفتوح. تصويت استراتيجي ليس بالضرورة مبدئيا: لأن ابو الفتوح، حسبما قالوا لي، اقرب المرشحين لصد الخطر الفلولي (الممثل بعمرو موسى- فشفيق لم يكن بعد واردا اصلا كمرشح قوي) والخطر الاسلامي (الممثل بمحمد مرسي).
وحتى عندما بدأ اسم حمدين صباحي يلمع في الاسبوع الاخير ويزداد حضوره بشكل لافت في الشارع، لم تغير هذه الحركات رأيها. إذ لم يتوقع احد ان يكون حمدين صباحي منافسا قويا. آخرون، ممن التقيت، اعلنوا انهم سينتخبون انتخابا مبدئيا وليس استراتيجيا، وسيدعمون المرشح خالد علي، لانه الاقرب لهم فكريا، والاصغر سنا بين المرشحين، حتى لو انهم يدركون بأن اصواتهم ستذهب هباء.
خلال الاسبوعين اللذين سبقا الانتخابات، كان اكثر الاسئلة ترددا في الشارع: من ستنتخب/ين؟ لاول مرة منذ عقود، يمكن للمصريين الاختيار بين عدد من المرشحين دون أن يعرفوا النتيجة مسبقا. يتناقشون، يختلفون، ولكنهم ينتخبون بارادة كاملة، دون أن يجبرهم أحد على ذلك. تتنوع الاصوات في العائلة نفسها وبين الاصدقاء والزملاء. لا يخلو اي لقاء من حديث الانتخابات. في الجلسة الواحدة يجلس المقاطع والمصوت المبدئي والمصوت الاستراتيجي.
لقد قسم المصريون المرشحين الى ثلاث مجموعات، الفلول وتشمل عمرو موسى وأحمد شفيق، والاخوان وتشمل محمد مرسي وسليم العوا وعبد المنعم ابو الفتوح بصفته قياديا في الاخوان المسلمين سابقا، والليبراليون والاشتراكيون متمثلين بحمدين صباحي وخالد علي. ثم يعطي المصريون لكل من الخمسة مرشحين الأقوى، صفة تُمَيِّزُه، على أساسها يكسب مؤيدين. عمرو موسى، التجربة السياسية والعلاقات مع الغرب-اقتصاد. شفيق، الامن والاستقرار. مرسي، الاخوان المسلمون. ابو الفتوح، المرشح التوافقي، يدعمه الثوريون الليبراليون من جهة والسلفيون من جهة أخرى. وصباحي، نصير العمال والفلاحين والفقراء، ناصريّ الفكر.
لم يكن احد قادرًا على توقع اي سيناريو، كل شيء كان ممكنا وواردا. خاصة وان الاسبوع الاخير، شهد حضورا قويا في الشارع لصالح صباحي وشفيق، بعد أن كان موسى وابو الفتوح الاوفر حظا وفق التوقعات، وينافسهم مرسي. كان سيناريو، مرسي-موسى، او مرسي-ابو الفتوح، او ابو الفتوح-موسى، هو الأقرب.
لكن السيناريو الأسوأ، الذي لم يتداوله أحد تقريبا، هو الذي حصل.
لقد شعر العديد من المصريين بالندم على ضياع اصواتهم، وتفتيتها، وبالغضب على مرشحي “الثورة” لأنهم اضاعوا اصواتهم بدل ان يتوحدوا لصد الخطر الداهم. بينما يرى البعض من الناحية الأخرى، أنه سواء كان شفيق او مرسي، فهذا افضل للثورة، ستكون الامور اكثر وضوحا مع مرسي او شفيق. أفضل من أن يصل مرشح “ثورة” خالص، يكون ظاهريا حاميا لها، بينما يبقى جوهريا تحت هيمنة المجلس العسكري. بالإضافة، ورغم تصدُّر مرسي، فقد افرزت نتائج الانتخابات تراجعا كبيرا لحركة الاخوان المسلمين في الشارع المصري مقارنة بالانتخابات البرلمانية والاستفتاء العام، مما أثار هلع الحركة ازاء ما خسرته من مصداقية وشعبية خلال عام واحد.
لقد دفعت النتائج بالكثيرين ممن مارسوا حق التوصيت في الدورة الأولى، بالعودة الى المربع الاول: الانتخابات تحت حكم العسكر. واللجوء إلى المقاطعة كخيار ثالث، لخيارين كل منهما اسوأ من الآخر.
يأمل المنخرطون في حملة المقاطعة، بأن تكون هذه المرة كبيرة، شاملة وذات حجم يمكّن من الطعن بشرعية الانتخابات. وهو تحدٍّ كبير، خاصة إذا اخذنا بعين الاعتبار ان هناك ايضا شرائح كبيرة في الشعب المصري ستقوم بالتصويت بناء على الرعب من الآخر، عدا اولئك المناصرين لكل من المرشحين أصلا.
سيصوت الكثيرون لمرسي، ليس ايمانا به، بل خوفا من شفيق الذي سيعيد مصر إلى نقطة الصفر وكأن الثورة لم تكن. وسيصوت الكثيرون لشفيق، خوفًا من الاخوان المسلمين، ليس ايمانا به.
لا يهم من سيكون الرئيس القادم، لكن لا يمكن اختزال هذه المرحلة بنتائج الانتخابات، او الحكم على الشعب المصري بأنه لا يستحق الثورة (هكذا بجرة قلم، بعد ان كنا تحمسنا له قبل عام ونصف العام) وأنه لا يملك الوعي والنضوج الملائم لهذه المرحلة وغيرها من تعابير استعلائية. نصف الشعب المصري لم يصوت، وثلاثة ارباع المصوتين لم يدعموا مرشحي النظام، وربعه فقط صوت لمرشح الاخوان.
تخبئ الأيام القادمة تحديات كبيرة أمام المصريين، وتؤكد بأن طريق الثورة التي لم تكتمل ما زال طويلا، ورغم حالة الاحباط التي شهِدْتُها في الايام الاولى من صدور نتائج الانتخابات، وجدْتُ الجميع يذهب، بعد محاكمة مبارك الى ميدان التحرير ويعتصم، ليعود الأمل من جديد ولأسمع احدهم يقول: “الإحباط عدو الثورة”.
July 13, 2012 at 11:30 am
ان هذا المقال هواكبر رد على من يحاولون ان يقسموا الثوره باقوال مثل ان الثوره من ترتيب مخابراتى صهيوني امريكي , ان الثوره من الشعب و لم تكن مؤامره ابدا
LikeLike