Abir Kopty's Blog مدوّنة عبير قبطي

You will never be free until you respect the freedom of others

“يلعن ابوكم طخيتو بابا”

5 Comments

  For English version click here

بدأت حكايتي مع هذه القصة، عندما كنت أبحث عن طفل او طفلة عايشوا الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو شاركوا فيها، كان ذلك ضمن حملة المدونين\ات الفلسطينيين\ات لإحياء الذكرى الرابعة والعشرين للانتفاضة الأولى المجيدة، حيث اتفقنا أن ينشر كل منا نصاً أو قصة تروي قسطاً من هذه الحقبة في تاريخ القضية الفلسطينية الذي نَحِنُّ له جميعاً.

أنشر هذه القصة متأخراً لأن استشهاد مصطفى التميمي من قرية النبي صالح، افقدني الرغبة في الكتابة لبعض الوقت.

قبل يومين من ذكرى الانتفاضة، لفت انتباهي فيديو قام بنشره صديق على التويتر، محمود عمر، وهو شاب فلسطيني يعيش في مصر، محمود كتب في احدى تويتاته “بعد المشاهدة المئة ربّما، بعد ان استطعت أن اهرب من عينيها بضعة سانتميترات، رأيت أنها لا زالت ترفع اشارة نصر”. وشارك هذا الفيديو:

ثم كتب بعد دقائق “القضيّة الفلسطينيّة، كل القضية الفلسطينيّة، تتلخص في عينيّ هذه الفتاة الصغيرة”

شدني أن أشاهده، وفعلاً شاهدته عدة مرت، وفهمت ماذا عنى محمود. فقررت أن أصل لتلك الطفلة التي أصبحت اليوم امرأة بالغة.

تفحصت الصورة التي حملتها الطفلة لوالدها الشهيد. كان اسمه واضحاً: الشهيد إبراهيم أحمد حسين عودة. بحثت في الشبكة مطولاً إلى أن وجدت انه استشهد عام 1988 في مخيم الدهيشة.

قمت بمكالمة أصدقاء وإرسال رسائل الكترونية لآخرين سألتهم ان كانوا يعرفون أحداً في مخيم الدهيشة، ليسألوه\ها إن كان بالإمكان الوصول لبيت الشهيد إبراهيم أحمد حسين عودة. البعض قال أنه لا يعرف أحداً والبعض الآخر لم يتمكن من التواصل مع من يعرفه. لكن الصديقة نجلاء، تمكنت من الوصول لشخص في الدهيشة يعرف أحد أبناء الشهيد، أي أخ الطفلة.

اتصلت به، وشرحت له القصة بإسهاب، من أنا ولماذا اتصل به والفيديو والطفلة والصورة والانترنت. كان مُرحباً جداً وأعطاني رقم هاتف أخته.. أسمها نور.. أصبحت الآن أعرف اسمها.

اتصلت بنور، ومرة أخرى شرحت لها القصة بإسهاب..

وبعدها صمت أنا وتحدثت هي…

تحدثت كيف استشهد والدها..

كان عمرها آنذاك ثلاثة أعوام، كانت في البيت هي وإخوتها وأخواتها، وهم ثمانية، هي الابنة قبل الأخيرة، أختها الأصغر كانت لا تزال في رحم أمها عندما استشهد الوالد. كان والدها يقف في المطبخ مع والدتها، عندما أصابته رصاصة “دمدم”، اطلقها الجيش الإسرائيلي من خارج البيت. تفجر رأسه أمامهم.

أكثر ما تذكره نور من الجنازة هو علم فلسطين الذي لف جثمان والدها… لقد أصبحت منذ ذلك اليوم ابنة شهيد..

تتذكر نور، في ربيعها السادس والعشرين، كيف قابلت جنوداً مروا من أمام بيتهم بعد أسبوع من الجنازة وكيف صرخت بوجههم: “يلعن ابوكم طخيتو بابا”، وكان ردهم بأن ضربوا تجاهها عصاة تشبه البلطة.. لم تصبها لكنها أوقعتها من الدرج والرعبة تتملكها.. رعبة لم تفارقها لوقت طويل..

نور تذكر بأنها وجدت بعد استشهاد والدها قطعة جلد صغيرة من راسه وعليها شعر.. احتفظت بها حوالي ست سنوات، إلى أن أقنعتها والدتها بضرورة دفنها لان وجودها أمامها سيبقيها على حزنها وصدمتها، فقامت بدفنها. لقد ظلت نور تحمل صورة والدها وتتحدث إليها لوقت طويل.

تذكر نور كيف أصبح استشهاد والدها تهمة للبيت.. وصار الجيش يقتحم المنزل كل أيام، يعتقل إخوتها في بعض الأحيان وفي الأجيان الأخرى يأخذهم ويجبرهم على “طرش” جدران المخيم لإزالة الكتابات السياسية عنها.

نور حدثتني عن الكثير من الأشياء لكنها لم ترغب في أن تنشر، ولهذا احترم طلبها واكتفي بهذا القدر.. كل ما تبقى هو أن اقتبس ما قالته في نهاية محادثتنا، عندما سألتها ماذا تمثل لها الانتفاضة الأولى: قالت ببساطة وبصدق “لا أحبها.. لأني فقدت والدي.. أنا غاضبة على الأجداد، لو كانوا مثل جيلنا.. ما كانت ضاعت فلسطين”

عندما نتحدث عن الانتفاضة الأولى برومانسية كبيرة، علينا أن نتذكر بأن هناك آلاف الأطفال عاشوا اليُتْمَ رغماً عنهم كي نعيش نحن أحراراً. وأقل وفاء لهؤلاء أن نتحرر ونحررهم.

Advertisement

Author: abirkopty

Writer, blogger and journalist.

5 thoughts on ““يلعن ابوكم طخيتو بابا”

  1. this was very sad to read/hear 😦

    Like

  2. هل استطيع ترجمه مدخلتك و نشرها مع الفيديو؟

    Like

  3. طبعاً، بكل سرور

    Like

  4. Pingback: Damn your fathers, you shot baba! « Abir Kopty مدوّنة عبير قبطي

  5. Pingback: Damn your fathers, you shot baba! ~ by @AbirKopty | Occupied Palestine | فلسطين

Leave a Reply

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Twitter picture

You are commenting using your Twitter account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s