الطريق مكتظة والحافلات الفارغة من الأسرى المحررين مرت من أمامنا، عرفنا أنهم دخلوا… لقد تأخرنا.
لم نستطع الدخول إلى باحة المقاطعة، الاكتظاظ شديد والحر لا يسمح لنا بحرب الاكواع لشق طريقنا للدخول.
صعدنا إلى أحد الأبنية المقابلة للمقاطعة علنا نراهم، كان أول ما لفت انتباهي كومة من الأكياس البيضاء ملقاة أمام مدخل ضريح القائد الراحل عرفات. تلك هي أغراضهم، التي جاؤوا بها من الأسر..
رائحة الحرية كانت هناك، تنفسناها، تنفستها الأعلام المرفرفة في كل مكان، والجموع الآتية من كل حدب وصوب، بعثتها الأهازيج والأغاني… تنفسها كل من رفع الأسرى على الأكتاف وخرج بهم من الباحة إلى الشوارع المحاذية.
رأينا العائلات تحتضن أبنائها المحررين، رأينا العناق والدموع والبسمة والشهقة..
سيأخذ الأسرى أكياسهم البيضاء ويذهبوا لبيوتهم، لقد عادوا إلى الحياة.. تحت الاحتلال نعم، لكنها حياة أيضاً. يستطيعون الآن مشاهدة أبناءهم أو أحفادهم يركضون أمامهم، ويكبرون. يستطيعون الآن عناق محبوباتهم او محبوبيهن، يستطيعون الآن إكمال دراستهم، القيام بزيارة الأحباب والأصدقاء أو الذهاب إلى قطف الزيتون.. وعلينا نحن أن نفعل كل ما نستطيع لنوفر لهم الدعم والمساندة، فما عانوه في السجون، سيرافقهم لوقت طويل..
لكن تبقى الغصة الكبيرة في قلوبنا، غصة الأسرى الخمسة آلاف الذين ما زالوا يقبعون في سجون الاحتلال، وغصة اولئك الذين تم ترحيلهم إلى خارج الوطن، لينضموا إلى الملايين في المنفى.
سنفرح يوماً بالمحررين، لكننا سنذكر كل يوم اولئك الباقين خلف القضبان. فلهم هم أيضاً عائلات وأحلام وحياة.
لقد غصت وسائل الإعلام بحكاية شاليط، وتعاملت مع الأسرى المحررين كأرقام، 1027 أسيرا، هذا كل شيء، بعضهم وصفهم بـ “القتلة”، وبعضهم بـ “المخربين”، واتصل زعماء العالم بنتنياهو مهنئين بعودة شاليط، وكأن شاليط كان في نزهة قرب غزة أثناء اختطافه. سنترك نحن لوسائل الإعلام دورها في التضليل ولزعماء العالم الانحياز الكامل لرواية إسرائيل، وليتركوا لنا فرحتنا المنقوصة، واحتفالاً لم يكتمل بالمحررين والمحررات.
لا يمكن لأحد لم يعش تحت الاحتلال أن يفهم ماذا يعني لشعب أن يُطلق سراح أسراه. سنبقى كشعب نتناقش ونتجادل حول آليات نضالنا، حول وجهة حركة تحررنا الوطني، لكننا لن ننسى أو نتخلى عمن دفعوا هم وعائلاتهم/ن ثمناً باهظاً لكي نعيش نحن بكرامة.