حين وصلت مصر يوم الأربعاء 26 يناير، لم أتصور، ولو للحظة أنني سأشهد أعظم وأنبل ثورة، ستغير وجه التاريخ كله، وأن المصريين سيلقنون العالم بأسره عبقرية صنع الثورات. كانت التظاهرات قد بدأت، وكذلك المواجهات مع الأمن. سمعت كيف تنظمت مظاهرات 25 يناير من قبل “عيال الفيسبوك”. بدأت عدة مجموعات شبابية مثل مجموعة كلنا خالد سعيد وحركة 6 أبريل وقوى أخرى تنظم التظاهرات الداعمة لتونس، وقبلها كانت مجموعة كلنا خالد سعيد تنظم وقفات احتجاجية لذكرى خالد سعيد، وهو شاب مصري عمره 28 سنة عذبه اثنان من مخبري الشرطة حتى الموت بعد أن رفض أن يقوما بتفتيشه. ثم قرر شباب 25 يناير موعدا للخروج في مظاهرة كبيرة في كافة محافظات مصر، واختاروا هذا اليوم بالذات وهو يوم عيد الشرطة في مصر لأنه، أولاً عطلة رسمية مما يتيح للجميع المشاركة، وثانياً لكي يؤكدوا بأن الشرطة يجب أن تلتحم بالشعب ولا أن تظل أداة لقمع المصريين وإذلالهم.
انضم إلى صفحة الفيسبوك التي أقيمت للدعوة الى هذه المظاهرة أكثر من ثلاثمائة ألف مشارك، فازداد الحماس، لم يحددوا مكان المظاهرات، نشروا فيديو لمقطوعة فنية “كاتب لبكرا جواب” لتشجيع الناس على المشاركة، ثم فيديو خاصًا بالتعليمات قدمها رجل أمن سابق للمشاركين، أوصاهم فيه بإحضار علم مصر، منديل، ماء وطعام وحذاء مريح، وأن المظاهرات ستخرج من مناطق شعبية لأن الأمن لا يمكنه دخولها والسيطرة عليها. وشرح أن اختيار الأماكن جاء بعد تخطيط وتفكير، وأكد أنها سلمية شعبية بلا عنف وتخريب، وممنوع حمل السلاح، أوصى أيضاً بعدم استعمال الشعارات الدينية. ثم فيديو لمحامي يوجه الإرشادات حول كيفية التصرف أثناء الاعتقال وقدم أرقاما لمركز لتقديم الدعم القانوني في حالة الاعتقال. وفقط في نفس اليوم تم تبيلغ المشاركين بأماكن الانطلاق، ساروا في مجموعات تتشكل من خمسة، وانطلقوا من داخل الأحياء الشعبية برفقة أهالي الحي. في القاهرة مثلاً خرج من حي بولاق الشعبي لوحده خمسة آلاف متظاهر والأمن لم يستطع إيقافهم ووصلوا إلى ميدان التحرير حيث بدأت مجموعات أخرى بالوصول فاكتشفوا أنهم عشرات الألوف. الشرطة فرّقت المظاهرة بمساعدة العنف والبلطجية في ساعات متأخرة، وفي اليوم الثاني أعلنوا عن جمعة الغضب.
كانت مطالب المتظاهرين الأساسية حين خرجوا يوم الثلاثاء رفع الحد الأدنى للأجور، إلغاء حالة الطوارئ وفساد الشرطة، إقالة حبيب العادلي، وزير الداخلية وتحديد مدة رئاسة الجمهورية. لم يتحدثوا عن إسقاط النظام بعد، لكنهم أرادوها ثورة. هكذا قالوا عن 25 يناير حينها: هذه ليست النهاية، لكنها بداية النهاية.
استمرت الاحتجاجات يومي الأربعاء والخميس في عدد من محافظات مصر وعلى رأسها السويس والإسكندرية والقاهرة، واتسمت بمواجهات مع أفراد الأمن والشرطة، لكن الحياة في القاهرة كانت لا زالت عادية، المتحف المصري والذي زرته يوم الخميس كان يعج بالزوار والسياح، المحلات مفتوحة، أزمة المرور الخانقة ظلت على حالها. لكن الشغل الشاغل لجميع من حولي كان “الثورة”. الجميع كان يترقب يوم الجمعة، جمعة الغضب، فهو اليوم المفصلي الذي حوّل 25 يناير، هبة الشباب إلى ثورة تنادي بإسقاط النظام.