خواطر على هامش كارثة احتراق كرملنا
أفاد خبر على إحدى الإذاعات الإسرائيلية أن قوات الإنقاذ الإسرائيلية تجولت في الحي الارستقراطي “دِنيا” في حيفا وطالبت الناس عبر مكبرات الصوت بإخلاء بيوتها. لم استطع عندها، أن لا أرى أمامي مشاهد الترحيل والتهجير في نكبة 48، طبعاً مع كل الفوارق والاختلاف في السياق والظروف والدوافع. لكن هذا لا يمنعني من التساؤل: تُرى ماذا شعر هؤلاء الناس في دِنيا؟ أو في بلدات يهودية أخرى مثل بيت أورن وغيرها الذين اضطروا لمغادرة بيوتهم إلى أجل غير مسمى، هل فكروا لحظتها انه قبل 62 عاماً، هَجَّرت العصابات اليهودية الفلسطينيين من قراهم وبيوتهم؟ هل يمكن أن يشعروا الآن ماذا يعني أن تُجبر على ترك بيتك، دون أن تعرف متى ستعود إليه.
الفرق أن سكان دِنيا وبيت اورن سيعودون إلى بيوتهم، وسيجدون آلاف المتبرعين، من الأفراد والحكومات لإعادة اعمار بلدتهم وتعويضهم. أما اللاجئين الفلسطينيين فيقف العالم أمامهم متفرجاً منذ 62 عاماً.
******
الكثير منا اختلطت عليه مشاعر الشماتة، فقد برز نوعين من الشماتة، الشماتة السياسية، وهي شرعية، فمن حقنا أن نتساءل، كيف يمكن لدولة عظمى ومتطورة كإسرائيل أن تكون جاهزيتها للتعامل مع حالات كهذه كجاهزية مدينة الناصرة أو رام الله أن تتعامل مع تسونامي؟ ومن حقنا أن نفكر بأن ثمن طائرة اف 16 واحدة تكفي لشراء عشرة طائرات خاصة لإخماد الحرائق، وثمن بعض القنابل الفوسفورية التي قصفت بها إسرائيل غزة تكفي ربما لشراء آلاف الأطنان من مادة إخماد الحرائق. من حقنا أن نكرر ما كنا نقوله دائماً: إن دولة الاحتلال والحرب تفضل أن تصرف على الحروب والمستوطنات والاحتلال بدل تحصين مواطنيها من هكذا كوارث. إسرائيل تعرف فقط كيف تشعل حرائق، ولكنها لا تعرف كيف تطفئها.
وهنالك أيضاً الشماتة العاطفية-الانتقامية، والتي تتعامل مع الكرمل وكأنه إسرائيلي-صهيوني، كيف؟ إنه كرملنا، إنه “كرمل الروح” و”الكرمل فينا”، من أجمل بقاع وطننا، كيف نفرح لاشتعاله؟
وهناك ما هو عبثي-لا يمكن تصنيفه في خانة الشماتة، مصرع الأربعين سجاناً إسرائيلياً، إن هؤلاء السجانين، هم سجانون في سجون الاحتلال، كانوا في طريقهم لإخلاء أسرى سجن الدامون في الكرمل، قبل أن تصل النار له. لقد مات هؤلاء في حين نجا الأسرى.
******
لقد كان الفيسبوك ملاذاً للكثيرين منا لتفريغ كل أنواع الشماتة والملاحظات العبثية، لكن هنالك جملة استوقفتني بشكل خاص، فكتب احدهم مساء الخميس أن هذا هو شعب الله المختار، وحتماً ستمطر الدنيا قريباً وتخمد النار، لكن ما حدث فعلاً، هو أسوأ ما يمكن أن يحدث في هذه الحالة، فقد اشتدت ريح شرقية، ما زاد من اشتعال النار وامتدادها. إذاً يمكن أن نعلن الآن، بالإثباتات والحجج: سقطت نظرية شعب الله المختار!
******
لقد عرضت دول كثيرة مساعدتها على إسرائيل، كما حدث في حالة تسونامي اندونيسيا وزلزال هايتي وزلزال باكستان. من المثير أن نرى إسرائيل مثلها مثل دول ما يسمى ب”العالم ثالث” تستنجد بالدول المتقدمة.
السلطة الفلسطينية أيضاً عرضت مساعدتها على إسرائيل، في موقف أخلاقي وإنساني. لكن من الواضح أن إمكانيات السلطة في المساعدة محدودة جداً، فإذا أرادت مثلاً إرسال أفراد الإطفاء الفلسطينيين لإسرائيل، سيحتاج الأمر شهرين على الأقل لإصدار تصاريح لهم، وعلى الأغلب سيتعذر على بعضهم الحصول عليها بسبب الحجة المعهودة “مرفوض امنياً”. ولو أرادت أن تُزوِّد إسرائيل بما تقدر من مياه للمساهمة في إخماد الحريق، فلن تجد، لأنه ببساطة شديدة إسرائيل ومستوطناتها تسيطر وتسرق 80% من موارد المياه الفلسطينية.
الخطوة رمزية، تقول للمحتل: رغم سنوات احتلالك الطويل ومحاولتك لشيطنة الفلسطيني، لم ولن تنجح بنزع الإنسانية والأخلاق عن شعبنا.