تنظم مجموعة من المنظمات الأهلية بمشاركة معظم الأحزاب مظاهرة جماهيرية لمناهضة جرائم قتل النساء يوم السبت القادم 6.2.2010. وربما يتساءل البعض لماذا الآن؟ فلم يتم قتل امرأة في الأيام الأخيرة، وهنا بالضبط تكمن أهمية المظاهرة. إنها ليست هبة ليوم واحد وبعد حدث معين، وإنما تعبيراً عن إصرار المنظمات والحركات التعامل مع جرائم قتل النساء كقضية مجتمع لا تبدأ وتنتهي مع كل جريمة. وهذه المظاهرة ليست فقط من أجل أولئك اللاتي قتلن، بل هي من أجل كل إنسانة معرّضة للقتل أو الضرب أو الإذلال والإهانة أو يتم قمع حرياتها.
الإحصائيات هنا غير هامة، فما الذي سيتغير إن قتلت امرأة في العام أو خمسة أو عشرين؟ هل تصبح حياة امرأة أكبر ثمناً إن قُتلت غيرها. إن لكل امرأة قتلت من ضمن العشرات في الأعوام الأخيرة كيانا قائما بذاته. لها أحلام وطموحات، قصص وذكريات، تماماً مثلنا جميعاً. كل ذنبها أنها امرأة، عليها أن تنصاع لقوانين نوع من الرجال الذين يشعرون بأنها ملكهم، كان أخاها أم أباها أم زوجها أم ابن عمها.
لا أشكك بأن الكثيرين منا يناهضون هذه الجرائم مبدئياً. ولا توجد لجميعنا علاقة مباشرة معها، وهناك تفاوت في درجة التعرّض لها واختلافات بين بيئة وأخرى. ولكن مسؤوليتنا تراوح في المسافة بين الصمت وإعطاء الشرعية لها، وهكذا تصبح الحدود بين الصمت من جهة، وشرعنة الجريمة والمبرّرات من جهة ثانية، مشوَّهة.
ونتقن، في أحايين كثيرة، التهرّب من المسؤولية وتعليق كل آفاتنا على شماعة النكبة والاحتلال والتمييز العنصري. نعم.. سياسة الدولة والتمييز ضدنا هي عوامل لا يمكن تجاهلها، ونعم، هناك دور للشرطة وأقسام الرفاه والجهاز القضائي، ودور كبير جداً، لا يقومون به كما يجب، لأنهم يفضلون التعامل مع القضية من منظور فوقي وكولونيالي. لكن يجب أن نعترف بأن مجتمعنا، كبقية شعوب العالم، ليس كاملاً، ويعاني من مشاكل داخلية، عليه تحمل المسؤولية.
إنها مسؤوليتنا جميعاً، لأننا نحن، معتقداتنا ومفاهيمنا، هي من تقف وراء هذه الظاهرة. والظاهرة هي نتاج لصيرورة مجتمعية ساهمنا كلنا فيها. باسم الحفاظ على “التقاليد” و”الشرف” تُقتل نساء، والسؤال هنا كيف يمكن لمجتمع صحي أن يدافع عن عادات وتقاليد تعطي الشرعية للقتل؟ لماذا لا نناقش هذه المفاهيم بشجاعة؟ فالمجتمعات هي التي تصنع أعرافها وقوانينها وعاداتها وليس العكس.
لقد ناقشنا كثيراً تعامل المجتمع مع قضايا النساء وكأنها قضايا نسائية محض، هامشية، هذا ليس وقتها أو أنها مؤامرة غربية. فنقول أولاً وفي هذا السياق تحديداً، كيف يمكن رؤية ظاهرة قتل النساء فقط لكونهن نساءً باسم “مفاهيم” و”عادات” المجتمع، على أنها ليست قضية مجتمع؟ ونسمع دائماً أن قضية النساء ليست أولويتنا الأولى ويمكنها الانتظار إلى حين ننهي الاحتلال والتمييز والعنصرية وكل الأشياء التي نناهضها. هنالك فئات تحاول إخماد نقاشات حول مكانة النساء عن طريق نزع الشرعية عنها بوصمها “مؤامرة”، صهيونية تارة وامبريالية تارةً أخرى. قلناها ونقولها دائماً، إن مكانة المرأة في المجتمع الغربي ليست بأفضل من مكانتنا، نحن النساء العربيات، ولا نطمح بأن نتشبه بهن.
كما نرفض أن توضع قضايانا جانباً بحجة أن هناك قضايا أهم، كالاحتلال والتمييز. فهناك رابط بين جميع القضايا، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. قضايا المرأة هي قضايا وطنية من الدرجة الأولى.
إنها قضيتنا جميعاً، ولكي نواجه جرائم قتل النساء علينا الاعتماد على حراك داخلي في المجتمع. يوم 6 شباط هو فرصة لجميعنا، رجالاً ونساءً، لنأخذ دوراً ولو كان صغيراً في قول كلمة “لا” واضحة لكل جرائم قتل النساء التي حدثت أو قد تحدث، كلمة “لا” واضحة لكل من يتأتئ في رفضه لهذه الآفة، و”لا” واضحة لكل من يشرعنها، و”لا” واضحة لكل من يصمت عليها، و”لا” واضحة للجريمة القادمة.